هل تعلم ما هو القرين؟ وما هو سبب وجوده؟ وما هي هيئته ؟.... غاية في الاهمية


ما هو القرين؟
و ما سبب وجوده ؟
ماهيئته ؟
مالفرق بينه وبين العارض؟
هل من الممكن للانسان ان يؤثر علي قرينه؟
القرين "
في القاموس : " القرين " : المقارن ، والصاحب ، والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه ، وهو المراد هنا . " نيل الأوطار " ( 3 / 7)
القرين
وهو من الجن الموكل بكل إنسان، فالقرين ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}-سورة ق الآية27-.
قال الإمام البخاري في باب تفسير سورة ق:
[وقال قرينه: الشيطان الذي قيض له] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8/754.
وقال الإمام الطبري في تفسير الآية السابقة
: [يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفَّار المنَّاع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلاً به في الدنيا كما حدثني ... عن ابن عباس قولهحزينةقال قرينه ربنا ما أطغيته) قال: قرينه شيطانه.] تفسير الطبري 22/357. وقال تعالى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }سورة الزخرف الآية 36. وثبت في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينُه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ، فلا يأمرني إلا بالخير) رواه مسلم.
قال الإمام النووي:[قوله صلى الله عليه وسلم: (فأسلم) برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال: معناه: أسلمُ أنا من شره وفتنته، ومن فتحَ قال: إن القرين أسلمَ، من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض، الفتح وهو المختار، لقوله: (فلا يأمرني إلا بخير)، واختلفوا على رواية الفتح، قيل: أسلمَ بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم ( فاستسلم)، وقيل: معناه صار مسلماً مؤمناً، وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث: إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان] شرح النووي على مسلم 6/293.
وروى مسلم بإسناده عن عروة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم
حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال: (ما لك يا عائشة أغرت) فقلت وما لي لا يغار مثلي على مثلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقد جاءك شيطانك). قالت يا رسول الله أو معي شيطان، قال: نعم . قلت ومع كل إنسان قال: نعم . قلت ومعك يا رسول الله قال: نعم ولكن ربى أعانني عليه حتى أسلمَ ).
و ما سبب وجوده القرين : وهو شيطان يوكل بالانسان من ساعة مولده وحتى وفاته حيث يخرج من جسد الانسان وعمله ان يوسوس للانسان بفعل الشر والغواية الي ترك الخير
تثبت أن كل إنسانٍ قد وكِّل به قرينٌ من كفرة الجن، وعمل هذا القرين أنه يغوي الإنسان ويوسوس له. ونحن نؤمن أن الجن خلق من خلق الله عز وجل وأن لهم قدرات خاصة بهم كقدرتهم على سرعة الحركة مثلاً كماقال تعالى:{قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} -سورة النمل الآية 39-. ولكن لا يصح أن نبالغ في قدراتهم، فهم لا يقدرون على إلحاق الضرر بالإنسان إلا بإذن الله عز وجل، كما أنه لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين كما قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} -سورة الإسراء الآيتان 64-65- . ولهم تسلط على الناس الضالين الغاوين كما قال تعالى:{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}سورة النحل الآيتان 99- - 100 .
ماهيئته ؟
لانعلم الخلقه التي خلقه الله عليها
وانما هو خلق من خلق الله
والاصل في الشياطين عموما
لا يراها الانسان الا حال تشكلهم بدليل الاية الكريمة
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) سورة الاعراف
وكما جاء في الحديث من حيث التشكل
ان النبي صلي الله علية وسلم قال:"إن بالمدينة نفرأ من الجن قد أسلموا فمن رأي شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان"
ومالفرق بينه وبين العارض؟
الفرق بينه وبين العارض هو ان العارض
ان كان جاء بمس او سحر او حسد او البعد عن ذكر الله
كما في الاية الكريمة
وقال تعالى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }سورة الزخرف الآية 36.
فانه يزول بزوال سببه
اي ان اتفك السحر او زال المس او زال الحسد
او ان رجع الانسان الي ربه فان هذا العارض يزول منه نهائيا
اما القرين فلا يفارق الانسان علي الاطلاق لان عمله
الوسواس والغواية الي ان يموت الانسان
وعند قراءة القرآن على المصاب ويتأثر به .. كيف لنا أن نعرف ما اذا كان العارض قد تأثر ام ان قرين المصاب هو من تأثر؟
اذا تاثر الانسان او المصاب باي تاثير اثناء سماع القران
فهذا دليل علي انه مصاب بمس او سحر او حسد
ولا دخل للقرين في ذلك بدليل هو ممكن ان تجد نفسك او تجدي
نفسك اثناء سماع القران من شيخ محبب اليك او اليكي
تجدي او تجد نفسك في هيام من سماع القران وفي حالة اشراح وفرح
واطمئنان من سماع القران مع العلم انكي او انك بك قرين ملاوم لا ينفك
عنك الي الممات فهذا دليل علي ان الانسان اذا لم يكن مصاب بمس او سحر او حسد فانه لا يحدث له اعراض علي الاطلاق نهائيا بدليل قول الله سبحانه وتعالي
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)سورة الرعد
وهل في حالة وجود القرين فقط يتأثر ام لا (اي ان انسان ليس بالعارض ) ؟
الاجابة كما في السؤال السابق اذا لم يكن الانسان مصاب
بمس او سحر او حسد فان القرين لا يحدث للانسان اي اعرض
هل من الممكن للانسان ان يؤثر علي قرينه؟
ويمكن للمسلم أن يحارب الشيطان والقرين ايضا بحيث يسلم من وسوسته واغوائه وأن ينتصر عليه إذا تمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، [ومن الأسباب المعينة على السلامة من شر القرين و الشيطان وجنوده:
1-الإيمان بالله وعبادته بإخلاص والتوكل عليه والاستعاذة به.
قال الله تعالى: {
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}سورة الأعراف الآية200، وقال الله تعالى:{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }سورة النحل الآيات 98-100.وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } سورة الحجر الآيتان 39-40. فأجابه الله{قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} -سورة الحجر الآيتان 41-42.
2- الالتزام بالكتاب والسنة والإكثار من تلاوة القرآن ولاسيما سورة البقرة وبالأخص آية الكرسي والآيتين الأخيرتين من السورة.
ففي حديث ابن مسعود:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.} رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.) رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة: (أن الشيطان قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشيطان، قال: صدقك وهو كذوب). رواه البخاري.
وروى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان)رواه الترمذي والحاكم والطبراني، وقال الهيثمي رجاله ثقات وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب.
3-المحافظة على الصلاة في الجماعة والأذان لها وقيام الليل.
فقد روى أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية) رواه النسائي وقال: قال السائب -أحد رواة الحديث- يعني بالجماعة جماعة الصلاة، ورواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن ابن مسعود قال: (ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) رواه البخاري ومسلم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة،فأصبح نشيطاً طيب النفس،وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) رواه البخاري ومسلم.
4-المحافظة على ذكر الله تعالى دائماً، ولا سيما الأذكار المقيدة: صباحاً ومساء عند النوم وعند الدخول والخروج والأكل والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب.
ففي حديث الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) رواه أحمد والترمذي والحاكم وأبو يعلى وصححه العلامة الألباني. ويمكن مراجعة كتب الأذكار للتعرف على أدعية الدخول والخروج والأكل والشرب والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب وأذكار الصباح والمساء
الالتزام بالجماعة.
ففي حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي.
6- البعد عن اتباع خطوات الشيطان ومظان وجوده، كالسوق ومجالس النساء ولا سيما الخلوة والانفراد بهن، ومجالس الغناء.
قال الله تعالى
:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } -سورة النور الآية21-، وفي الحديث: (لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، ففيها باض الشيطان وفرخ) رواه مسلم، وفي الحديث: (ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
واليكم فتوى متعلقة بالموضوع
هل حقاً أن لكل إنسان قريناً؟ وهل القرين هو من الجان؟ وكيف يمكن السيطرة عليه ليكون طيباً وليس كافراً؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت شرعاً أن لكل إنسان قريناً من الشياطين، قال سبحانه: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [قّ:27] ، وقد ذكر القرطبي أن القرين في الآية هو: الشيطان، وحكى المهدوي : عدم الخلاف في هذا.
وأخرج أحمد ومسلم عَن عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ وَقَدْ وُكّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنّ". قَالُوا: وَإِيّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "وَإِيّايَ. إِلاّ أَنّ اللّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاّ بِخَيْرٍ" .
وأخرج مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ فَرَأَىَ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟" فَقُلْتُ: وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَىَ مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟! قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَ كُلّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "نَعَمْ. وَلَكِنْ رَبّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتّىَ أَسْلَمَ".
والمقصود بالقرين شيطان يقترن بابن آدم، ويسعى جاهداً ليضله عن سواء السبيل، ولا يمكن للمسلم أن يسيطر على قرينه ويدخله في الإسلام، لأن الله سبحانه جعل ذلك ابتلاءً للعبد، ليعلم المؤمن من غيره، وقرين النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمن ويصبح مسلماً على الراجح من أقوال أهل العلم، وإنما استسلم له وانقاد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأسلم" روي برفع الميم وفتحها، فعلى الرفع فهو فعل مضارع، ويكون المعنى: أسلمُ من شره وفتنته، وعلى الفتح، فهو فعلٍ ماض ويحتمل معنيين:
الأول: أنه أسلم ودخل في الإسلام، وهذا مدفوع كما سيأتي.
الثاني: أن أسلم هنا بمعنى: استسلم وانقاد. وقد جاءت الرواية كهذا في غير صحيح مسلم، كما قال النووي في شرحه.
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم إسلام قرين النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: أي استسلم وانقاد، وكان ابن عيينه يرويه فأسلم بالضم، ويقول: إن الشيطان لا يُسلم، لكن قوله في الرواية الأخرى: فلا يأمرني إلا بخير، دل على أنه لم يبق يأمره بالشر، وهذا إسلامه، وإن كان ذلك كناية عن خضوعه وذلته لا عن إيمانه بالله، كما يقهر الرجل عدوه الظاهر ويأسره، وقد عرف العدو المقهور أن ذلك القاهر يعرف ما يشير به عليه من الشر فلا يقبله، بل يعاقبه على ذلك، فيحتاج لانقهاره معه إلى أنه لا يشير عليه إلا بخير لذلته وعجزه لا لصلاحه ودينه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا أن الله أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير" انتهى.
وعلى كلٍ، فعلى المسلم مدافعة هذا الشيطان، وهذا هو المطلوب منه شرعاً، وهو أمر مقدور عليه، وهذا القرين تارة يوسوس بالشر، ولذا جاء الأمر بالاستعاذة من شر وسوسته في سورة الناس: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:3-6] .
وتارة ينسي الخير، قال سبحانه: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف:42] .
وتارة يعدُ ويُمَنِّي، قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء:120] .
وتارة يقذف في القلب الوسوسة المرعبة، قال سبحانه: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) [آل عمران:175] .
فكيده محصور في ما ذكرنا.
فاستعن بالله على مدافعته، والانتصار عليه، وانظر في ذلك الجواب رقم: 4403.
والله أعلم.